متفرقات

LightBlog

الاثنين، 27 يناير 2020

مقال : أولاد السعوديات




الكاتب حمزة الطيار
إذا كان عدمُ تجنيس أولاد المواطنة أرجحَ من تجنيسهم، فليكن بديله منحهم إقامة دائمة؛ ليتحقّق بذلك أهمّ المقاصد، وهو ضمانُ بقائهم الدائم بمعيّة أُمّهم، ولا يخفى فضلُ جمع الشّمل وعظمُ جبر الخواطر..
نحن في مملكتنا نعتزُّ بكون الأنظمة مُستقاةً من نصوص الشريعة المطهرة، وما استُنبط منها، أو اقتضته المصلحة المرسلة بمعاييرها المعتبرة عند الفقهاء، وقد تولّى تنزيل هذه القواعد على الجزئيات خِيرةُ أبناء الوطن من أصحاب الفكر والخبرة، وهذه الأنظمة منها الثوابت التي لا مساسَ بها، ومنها الأنظمة المرتبطة بالمصالح والمفاسد والأعراف المأخوذ بها في تنظيم شؤون الدولة، والخاضعة للتعديل، وتطويرُ النوع الأخير من الأنظمة أمرٌ راجعٌ إلى رأي وليِّ الأمر ومن يُنيبه، فما أقرَّ منها استقرَّ، وما غَيَّرَ تغيَّر، وواجبنا نحن الرعية القناعة بجدوى ما قرّره في ذلك، فتلك مسؤوليته، وقصارى أمرنا -إذا أذن الحاكم بإخضاعِ مصلحةٍ معينةٍ للنظر- أن يُسهم أهل التخصص منا في الموازنةِ بين طرفيها بما بدا لهم من المعايير، فإن وافقَ ما رجّحوه رأيَ الإمام، فالحمد لله على الموافقة، وإن خالفَهُ فلا عبرةَ بنظرِ الرعيّةِ مقابلَ رأيِ الإمام، ومن هذا المنطلق أُسهمُ في موضوعٍ مُهمٍّ له علاقةٌ مباشرةٌ بحياةِ عددٍ من المواطنات، وهو الوضعيةُ النظاميةُ لأولادهن من زوجٍ غير سعودي، ومقترحي في هذا الموضوع المساواة بين حقِّ المواطن المتزوج من أجنبيةٍ وحقِّ المواطنة المتزوجة من أجنبي في تجنيس الأولاد، وهذا الاقتراحُ مبنيٌّ على أُسسٍ منها:
أولاً: أن أولاد المواطنة جزءٌ لا يتجزأ من أسرةِ أُمِّهم، وهذا واقعٌ محسوسٌ، وجاء الشّرع بتقريره، فعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: دَعَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الأَنْصَارَ فَقَالَ: «هَلْ فِيكُمْ أَحَدٌ مِنْ غَيْرِكُمْ» قَالُوا: لاَ، إِلَّا ابْنُ أُخْتٍ لَنَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «ابْنُ أُخْتِ القَوْمِ مِنْهُمْ» متفق عليه، فهو اجتمع معهم في شأنٍ يخصُّهم، ولا مجالَ لأن يحضر غيرهم، فاستفصلهم، وذكروا ابن أختهم، فأثبت لهم أنه منهم، قال العلماء في شرح الحديث: أَي هُوَ مُتَّصِلٌ بأقربائه فِي جَمِيع مَا يجب أَن يتَّصل بِهِ في المعاونةِ والانتصار والبرِّ والشفقة، بل من العلماء من ورّثه واستدلّ بهذا الحديث، ومن لم يُورّثهُ تأوّل الحديث.
ثانياً: معلومٌ اختصاص الرجل بكون أولاده يُنسبون إلى نسبه، وأن هذا ميزةٌ له، ولكن لا تأثيرَ لهذا التميّز فيما نحن بصدده؛ إذ لا نحومُ حولَ المساسِ بهذه الخصوصية الثابتة التي نصَّ عليها قوله تعالى: (ادْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ)، لكن تميّز الرجل بهذه الخصوصية هو من بابِ الترجيح، وليس من بابِ إلغاء أواصر المرأة، فتبقى للرّحم من جهةِ الأمِّ اعتباراتٌ متأكدةٌ؛ لأن الفروع التي يقع فيها التفريق هنا كالانتساب، وتحمُّلِ العاقلة للدِّية لا يستلزم خروجُ ولد البنت منها نقصانَ حقِّهِ في البرِّ والإحسان والصلة وحسن الصحبة، فأنواعُ البرِّ مُشتَركةٌ بين النوعين، والدولة لم يخفَ عنها هذا، لكن بعض الظواهر إنما تستدعي التنظيم بعد شيوعها، وما كان لأولادِ الرجل من الرعاية والعناية فمن المعقول أن ينال منه أولادُ المرأةِ حظّاً، وقول الشاعر:
بنونا بنو أبنائنا، وبناتُنا
بنوهن أبناء الرجال الأباعد
هو على مفاهيم قبليّةٍ، ولا عبرةَ بِهِ لـمّا تعارضَ مع قول النبي صلى الله عليه وسلم عن ابن بنته الحسن رضي الله عنه: «إِنَّ ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ وَلَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يُصْلِحَ بِهِ بَيْنَ فِئَتَيْنِ عَظِيمَتَيْنِ مِنَ المُسْلِمِينَ»، أخرجه البخاري، وأجمع العلماء على تحريم الزواج ببنت البنت أخذاً من قوله تعالى: (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ وَبَناتُكُمْ)، فبنت البنت بنتٌ.
ثالثاً: أن الإحسان إلى البنت والعناية بها وإكرامها وإعزازها مما رغّبت فيه الشريعة، وهو المسلك الذي انتهجه النبي صلى الله عليه وسلم مع بناته، فحفاوتُهُ بأبناءِ بناتهِ لا يُعلى عليها، وتدليله للحسن والحسين رضي الله عنهما من الشُّهرة بمكان، ومن إكرامِ البنتِ وإعزازِها تقريبُ ذريّتِها، والإحسان إليهم، ولا إحسانَ أعظمَ من منحهم جنسيةَ أُمِّهم مما يضمن بقاءَهم قربَها.
رابعاً: أن الأب وإن رَجَحَ في بعض الأمورِ كالتعصيب والانتساب إلى العشيرة بواسطته لكن الأمَّ أرجحُ في بابِ البرِّ، فهي أولى الناس ببرِّ أولادها بنصِّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهي دائماً متشوّقةٌ لترى أولادَها يبرُّونَها، فَبِرُّ الأولادِ بأمِّهم من أمانيها التي تُصاحِبُها منذ ولدتهم، ولا تضمنُ استيفاءَها لهذا البرِّ إذا كانوا على جنسيةٍ غير جنسيتها، وكونُ النظامِ يمنحُ أولادَها جنسيتَها يُتمِّمُ ما تكفّلَ بِهِ مشكوراً من كرامتِها، ويُتوِّجُ سعادتَها وغبطتَها بما حباها من الخدمات المتنوعة، ووسائل الراحة النفسية وغيرها.
وأخيراً: إذا كان عدمُ تجنيسِ أولادِ المواطنةِ أرجحَ من تجنيسهم، فليكن بديله منحهم إقامةً دائمةً؛ ليتحقّق بذلك أهمُّ المقاصد السابق ذكرها، وهو ضمانُ بقائِهم الدائم بمعيّةِ أُمِّهم، ولا يخفى فضلُ جمِع الشّملِ، وعظمُ جبرِ الخواطر.
التعليقات

هناك تعليق واحد:

علق على الخبر

Adbox